آهٍ وألف آهٍ من هذا التناقض!

1. يقول أحد الدعاة، في معرض دفاعه عن أماكن الترفيه في بلاده، بأنه ليس كلُّ من يمتلك مرقصاً إنساناً غير شريف، فمراقص الدولة تعمل وفق الضوابط الشرعية، وسبق أن سمح بها ولي الأمر للمصلحة العامة.
2. وسبق أن قال «الشيخ صالح» إنه مؤمن بحرمة الغناء والمعازف، ويجب عدم الشك في أنها حرام.. ثم تمر الأيام وتتالى الأحداث، ويظهر لنا «الشيخ الصالح» نفسه، بعد فترة قصيرة من إعلان إنشاء هيئة للترفيه في وطنه، قائلاً إن تجربة هيئة الترفيه خير برهان على صحة ما تقوم به، وتمنى عليها أن تقوم أيضاً بما هو أكمل.. وأكبر.
3. وسبق أن «طوش» محمد العريفي آذاننا على مدى أكثر من عشرين عاماً بخطبه، التي حرَّم فيها الطرب والغناء والمعازف، ثم يختفي فترة تكاد تكون قصيرة، ويظهر ثانية على مسرح كبير وأمام جمهور غفير ليقدم للحفل الغنائي لصديقه المطرب خالد عبدالرحمن، وليقول إنه يقف أمام جمهور خالد الغفير الذين يحبونه، كما يحبه هو، وأنه يسأل الله أن يجعل أهل السماء يحبون المطرب خالد عبدالرحمن كما أحبه أهل الأرض.
4. ويقول الغامدي إن الاحتفال بعيد الحب «الفلانتاين» يعني حسن المعاملة، وإن من البر الاحتفال به، فهذا تعزيز لفكرة الحب بين الناس. كما أن التهنئة به تنمي في المجتمعات السلوك الحسن وتبعد عنها الكره والبغضاء والتنافر، والاحتفال بالعيد ليس ضد الشريعة ولا يجوز تفسيق من يهنئ بعيد الحب. وغني عن القول ان الرجل هذا نفسه، والمئات غيره في مختلف دولنا، كانوا من أشد المناوئين للاحتفال بعيد الفلانتاين، ويعتبرونه تشبهاً بالكفار وإسرافاً لا داعي له وفسقاً واضحاً.
وطبعاً هناك عشرات الأمثلة الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها، ومنها مثلاً ما ذكره الداعية المصري محمد الزعبي من أنه لن يتراجع عن فتواه بجواز أكل لحم الجن!! وكل هذه تبين أمرين مؤلمَين:
الأول: أنه من مظاهر تخلُّف المجتمعات أن أكثر الشخصيات التي تجري متابعتها على وسائل التواصل الاجتماعي هي في الغالب الأكثر تلاعباً في الألفاظ وتبدُّلاً في المواقف، وهذا بالطبع لا ينطبق على الجميع بل الغالبية، ومع هذا تتصاعد وتيرة متابعتهم مع كل ما يرتكبونه من هفوات.
كما تبين مثل هذه الأمثلة وغيرها مدى هوان حالنا وتخلفنا، وانفرادنا البائس عالمياً بقدرة البعض في التحكم في عقولنا وسوقنا لمغارات الجهل، مسلِّمين أمور حياتنا لهم يتلاعبون بها كيف شاؤوا، علماً أنه لا كهنوت في الإسلام وليس لرجل الدين وظيفة ولا نص قط يأتي على ذكرهم وتحديد مواصفات أعمالهم، أو ضرورة الخضوع والاستسلام لهم.
ربما لو كانت أوضاعنا المعيشية في حال أفضل، نتيجة تسليمنا لعقولنا ومصائرنا ليد حفنة من هؤلاء، لوجدنا لهم ولأنفسنا عذراً، لكننا في القاع في كل مجال، والأقل فائدة للبشرية في الطبابة وإنتاج الأدوية والاختراعات، وبالتالي من الغباء استمرار الخضوع لمن تتقلب آراؤهم بين الفترة والأخرى، ومن غير المقبول أن تبيعنا جهة آلة عزف ثم تأتي جهة وتفتي بحرمة استخدامه، فتقوم بكسره، ثم تأتي الجهة نفسها وتجيز العزف عليه في حفل كبير.. وأمام جمهور غفير.

أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top