روضان العراق
تشتت وسوء أوضاع الدول عربية يتمثلان أكثر في العلاقة المضطربة بين أغلبية الدول التي تشترك بحدود مشتركة بعضها مع بعض، والوضع مع الحدود العراقية الكويتية مثال على ذلك. فعلى الرغم من كل حقائق التاريخ، وكل التجارب المريرة والمحاولات الفاشلة، ومع كل سوء وضع العراق على مدى نصف القرن الماضي، نتيجة قيادات فاشلة ابتلي بها، فإن العلاقات بين العراق والكويت بقيت على توترها. وربما حان الوقت، مع وصول الأوضاع في المنطقة إلى كل هذا التضعضع، لأن يعترف العراق بأن من الأفضل له كثيراً ليس التعايش مع الكويت فحسب، بل والتعاون معها في كل المجالات، فليس مثلها جار، ولا أفضل منها شريك، ويبدو أن التطورات والزيارات السياسية الأخيرة بين البلدين أصبحت أخيراً تشهد تطوراً إيجابياً في هذا الاتجاه.
لقد تأثرنا في الكويت من جيرتنا مع العراق، وتأثر العراق أكثر منا من سوء علاقته معنا، في ظل استمرار تطور الوضع في الكويت للأفضل واستقراره مع ترديه في العراق، وكان لا بد من وضع حد لهذا التدهور، وهذه كانت نظرة القيادة الحكيمة للوضع العراقي، فعراق متخلف وفقير مضر بالكويت، والعكس صحيح، ومن هنا كانت الكويت مقراً لأكثر من مؤتمر لمساندة وتعمير العراق، والحث على مد يد المساعدة لشعبه، فمصيرنا، عربياً وجغرافياً وشعبياً، واحد، ولا يمكن أن تتغير هذه الحقيقة بأي حال.
إن توتر أو ضعف العلاقة بين البلدين نجده في أكثر من صورة، فهناك شبه انعدام للرحلات البرية والجوية، وطبعاً البحرية، بين البلدين، على الرغم من طول الحدود بينهما. كما تضع كل دولة المصاعب أمام زيارة مواطني الطرف الآخر لها، خاصة الكويت. ولو قام الجانب العراقي بزيارة لمنفذ صفوان الحدودي في جانبه لهاله الوضع البائس الذي هو عليه، ولا يقل عنه تردياً منفذ الحدود الكويتي.. ويمكن لهذين المنفذين لعب دور مهم في تطوير التجارة بين الجانبين، وتفعيل عشرات الاتفاقيات والتفاهمات القديمة والحديثة جداً الموقّعة بين الطرفين. فالبصرة ومختلف مدن العراق الجنوبية تعني الكثير لأسر كويتية عديدة، فبوابة العراق الجنوبية لا تبعد «من الباب إلى الباب» عنا بأكثر من ساعتين، وهذا له دوره في تطوير وتمتين العلاقة، والمساهمة في سد حاجة العراق للخدمات، وتلبية احتياجاته بأسرع الطرق وأقل التكاليف.
كما أن الكويت تعتبر مقراً وممراً خليجياً مهماً للسياحة الدينية في العراق. وإنشاء منطقة تجارة حرة بين البلدين سينعش اقتصاد الطرفين بطريقة كبيرة، ويمكن للعراق الاستفادة كثيراً من روحية التاجر الكويتي وحبه للاستثمار في مناطق خارج وطنه. كما يمكن استغلال موانئ الكويت في مرور المنتجات من وإلى العراق، وبالذات لمدنه الجنوبية التي تفتقر تقريباً لكل شيء. وزيارة وزير التجارة خالد الروضان الأخيرة للعراق أحيت أملاً في حلحلة الوضع وإعادة العلاقات بين البلدين لجادتها الصحيحة والتي لم تكن في السنوات الأخيرة طبيعية، بجعل مصلحة البلدين فوق أي اعتبار.
كما أن زيارة رئيس مجلس الأمة التي تبعت زيارة وزير التجارة لن تقل عن الأولى أهمية، خاصة في جانبها السياسي، وفي توطيد العلاقة بين النظامين، ودفع العراق للاستقلال بقراره بعيداً عن التجاذبات الإقليمية.

أحمد الصراف
الارشيف

Back to Top