الأجانب أكلونا

تفخر الهند بأشياء كثيرة لا يمكن حصرها، ومنها شعور الهنود بأنهم الأكثر تسامحاً مع الغريب ومحبة له. ولا غرابة في ذلك، فالهند كانت مهد حركة اللاعنف التي بدأها غاندي في منتصف القرن الماضي… ولكن هذا التسامح طاله في العقود الثلاثة الأخيرة الكثير من الشروخ، بسبب سوء فهم متطرفي المسلمين له، واعتقادهم بأن بإمكانهم النيل من الشعب الهندي المسالم من دون أن يطالهم العقاب، ولكن رد فعل الهندوس، المسالمين تاريخياً، كان عنيفاً وقاسياً، ونتج عن ذلك تطرفهم سياسياً، وبداية صعود وانتصار أحزاب اليمين المتطرف فيها. ومن الأمور التي تفخر الهند بها جامعة الـ iit، أو معهد الهند للتكنولوجيا، المرادف للمعهد الأميركي الشهير mit. بدأت فكرة تأسيس المعهد عام 1946، أو قبيل نيل الهند استقلالها عن بريطانيا، وبتوصية من لجنة عليا رأت ضرورة إنشاء مؤسسات تقنية عليا تهتم بالتنمية الصناعية، وتغطي مختلف القارة الهندية، مع خلق مؤسسات ثانوية تابعة لها. وهكذا تأسس أول معهد هندي للتكنولوجيا في مايو 1950 في موقع معسكر اعتقال. وفي عام 1956، كرّس برلمان الهند iit كمؤسسة وطنية بالغة الأهمية، وكان لأول رئيس وزراء بعد الاستقلال، جواهر لال نهرو، الفضل الأكبر في إنشائها. واليوم يعتبر هذا المعهد، الذي يستحيل على غير الأكفاء اجتياز اختبارات دخول جنته، خزان العقول العلمية ليس فقط للهند بل لدول غربية عدة، كأميركا التي منحت عشرات آلاف خريجيه جنسيتها من دون تردد! في الفترة نفسها تقريباً، قام المرحوم خالد المسعود، عندما كان وزيراً للتربية والتعليم، في الكويت، بحذف «التعليم» من اسم الوزارة، وفي عهده تم افتتاح كلية للمعلمين ومنح من يلتحق بها راتباً شهرياً مجزياً، وهذا ساهم في التحاق الكثير من غير الأكفاء، وبالذات غير الصالحين لمهنة التعليم المقدسة، بهذا المعهد، إما طمعاً في المكافأة، وإما طمعاً في مزايا سلك التعليم الأخرى من راتب كبير وعطلة دراسية طويلة، وعمل مريح. وهكذا ضاعت القلة المخلصة من المدرسين في بحر غيرهم الأكبر، والذين تلقفتهم الأحزاب الدينية، وبالذات حركة الإخوان، التي أطبقت تالياً، وحزب السلف، على مقادير الجمعية منذ إنشائها، وربما حتى اليوم. وغني عن الشرح ما نتج عن ذلك من تأثير تخريبي على مخرجات الثانوية العامة، ولم يكن صعباً بالتالي تحكم حزب الإخوان باتحادات طلبة الجامعة لأكثر من ثلاثة عقود… «والشر لقدام»! من جانب آخر، فشل كل وزراء التربية، من دون استثناء، لكي لا نظلم أحداً، في توجيه الدراسة طبقاً لاحتياجات سوق العمل، وتركنا الطالب يلتحق بالكلية التي يرغب بها، من دون نظر إلى حاجة سوق العمل له، وخلال أقل من ثلاثين سنة خرجنا عشرات الآلاف في المعاهد الدينية والشريعة، بالرغم من أن %99 منهم كانوا يرفضون أصلاً العمل في مجال تخصصهم، ومع هذا لم «تلفت» هذه الحقيقة نظر أي وزير تربية، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لوقف كل هذا التكالب على الدراسة بكليات الشريعة، خصوصاً مع استمرار تدخل النواب «إياهم» واستجابة الحكومة لطلباتهم، وتوظيف خريجي الشريعة في مختلف الوظائف الخطيرة، وهذا دفع مجاميع أكثر إلى الالتحاق بالشريعة ليعملوا تالياً محامين، ومستشارين، ومحققين وحتى وكلاء نيابة، وهم الذين لا علاقة لهم بأي من هذه التخصصات العالية. وشاهدنا في الوقت نفسه أن عدد من تخصص في دراسة الفيزياء والرياضيات لم يتعد أصابع اليد الواحدة، ثم نأتي بعدها ونتباكى بأن «الأجانب أكلونا»! ملاحظة: على مجلس الوزراء تبني فتوى الشيخ سعد الخثلان التي جاء فيها: من حصل على شهادته بالغش وحصل على راتب، فما عليه سوى أن يبدي ندمه ويتوب، وأن يتعهد بألا يعود لهذا الفعل، وان يرفع من مستواه، ورواتبه حلال عليه!…. نشكر الشيخ على الشفافية. أحمد الصراف


الارشيف

Back to Top