أنا وزيارات مصر الثلاث

زرت مصر لأول مرة قبل 51 عاماً، وكانت لا تزال تتمتع بما تبقى فيها من ماضيها الجميل الذي حاول انقلابيو 1952 تشويهه، ولكن الحقيقة أبت إلا أن تظهر في النهاية. كنت حينها مفتوناً بكل ما كانت تعنيه مصر من ثقافة وفن وإبداع، عندما كان يتصدر المشهد توفيق الحكيم وأم كلثوم وإحسان عبدالقدوس وآسيا وماري كويني وأهرام تقلا، وطه حسين وصلاح جاهين ومحمد عبدالوهاب وكامل الشناوي ونجيب محفوظ ومحمود أيمن العالم، وسيد مكاوي والأخوان أمين ولويس عوض وعبدالرحمن بدوي، وعشرات غيرهم، وكانوا جميعاً من جيل وتراث ونتاج ما قبل سياسة التأميم ومصادرة ثروات رجال الأعمال وأثرياء «العهد البائد»، وقبل نقل ملكيات دور الصحف والنشر إلى الدولة، وفرض الحراسة وإتلاف النفوس وما تبعه من تضييع الفلوس، فقد كان العهد الملكي، بكل مساوئه، أكثر رحمة وأغزر إنتاجاً، فكراً وفناً أصيلاً. ثم جاءت الزيارة المهمة الثانية، وكانت بينها وبين الأولى عشرات الزيارات التقليدية الأخرى، وتزامنت الثانية مع تسلم الإخوان المسلمين لحكم مصر، وشاهدت بعيني كيف تدهورت الأوضاع سريعاً في ظل حكمهم الغبي، وكيف سحبوا ما بقي من دماء من وجه مصر، وكيف كسا الحجاب ليس فقط رؤوس كل نسائها تقريباً، بل ووصل أثره إلى فكرهن وعقول رجال مصر، فغاب كل إبداع، أو ما تبقى منه، تماماً، وحلت محل كل ذلك فتاوى تجار الدين والفتاوى المعلبة التي تهدف إلى إلهاء الناس، بعد أن تمكنت مجموعة من المتخلفين والجهلة والمطبلين للحكومة المتشددين دينياً من السيطرة الكاملة على كل مفاصل الدولة بالرغم من أنهم لم يكونوا يمتون لأي من مظاهر العصر بصلة. كان وضع مصر في تلك الأيام حزيناً وبائساً، وكان الأمل في أن غباء الإخوان وخواء فكرهم سيكشفانهم في نهاية الأمر، ويبينان حقيقة نواياهم، وأنهم بلا فكر ولا فلسفة ولا منهج، وسينقلب الجميع عليهم في نهاية الأمر، وهذا ما حصل. ثم جاءت الزيارة الثالثة المهمة والأخيرة قبل أيام، والتي سبقتها زيارات أخرى عادية، ورأيت في الأخيرة كيف بدأ تعافي مصر، وكيف عاد الدم النظيف يسري في عروقها، والرونق يعود إلى وجهها العتيق، وكيف اكتشفت مجاميع كبيرة من الشعب الخطر المدمر الذي كان يمثله الإخوان، كان الجميع تقريباً ممتنين لمنجزات العهد الحالي الجديد، التي لو اقتصرت فقط على إقصاء الإخوان عن الحكم، لكان ذلك بحد ذاته إنجازاً عظيماً وكافياً. نشكر الأخ والصديق أنطوان حمشاوي الذي أعادنا إلى مصر ولحب مصر، بدعوته لقضاء أمتع الأوقات معه ومع أسرته في البلونايل bule nile الأول والثاني، وبفضله ستكون لنا قريباً زيارات لمصر ولمن نحب في مصر.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top