خسائر غير شريفة ولا عفيفة

تخيل معي الوضع المالي لوكيل محلي منفرد للمنتجات العالمية التالية: حليب نيدو، عصير فيمتو، شراب بيبسي وشراب الكولا، كاكاو كادبوري، سيارات تويوتا، مياه الروضتين، أقراص البنادول، سجائر مارلبورو، طحين المطاحن، أجبان كرافت، هواتف ابل وسامسونغ.. وعشرات المنتجات الرائجة الأخرى.. هل يمكن أن يخرج وكيل هذه المنتجات خاسرا في نهاية العام؟ الجواب: يستحيل ذلك من دون فساد وسرقة وحرمنة داخل مؤسسته؟ وماذا لو زدنا على ذلك بالقول إن جميع مخازن هذه المؤسسة ومعارض منتجاتها، وحتى ساحات مواقف سيارات زبائنها، وحتى المحال الصغيرة حولها، جميعها أعطيت للمؤسسة من الدولة مجاناً.. فهل ستخسر أيضاً مع نهاية سنتها المالية؟! الجواب لا أبداً، إلا مع فساد أكبر. ولو طبقنا هذا المثال على جمعيات الكويت التعاونية، لوجدنا أن جميعها حصلت على قطع أراضٍ مجانية ومبانٍ مجانية ومواقف سيارات مجانية، وحصلت على تمويل مجاني من مئات الموردين وخصومات كبيرة منهم، ومنحتها الدولة عشرات المحال لتقوم بتأجيرها للغير مقابل بدلات إيجار عالية، ثم انتهى الأمر مع غالبيتها بخسارة كامل رؤوس أموالها، والتي جمعتها من سكان المنطقة السكنية نفسها، وخسارة كل أرباحها وغالبا خسارة غالبية أو كل أموال الموردين لها، وإعلان إفلاس البعض منها، بعد تجاوُز سرقاتها كل حد. هنا فقط تتدخل وزارة الشؤون وتكتفي غالباً بعزل مجلس إدارة الجمعية، من دون حساب ولا عقاب ولا سؤال عن أين ذهبت اموال المساهمين والموردين، ثم تقوم بعدها بتعيين مجلس إدارة بديل مؤقت يدير شؤون الجمعية لفترة انتقالية لحين انتخاب مجلس جديد، لتتكرر لعبة الإثراء غير المشروع للمجلس الجديد على ظهور السذج من أبناء المنطقة، وعلى مرأى ومسمع من السلطات، وليعود أهالي المنطقة نفسها لانتخاب غيرهم ليسرقهم هؤلاء المرة تلو الأخرى.. والعجيب أن غالبية الجمعيات التعاونية أدار مجالس إداراتها منتمون لأحد الحزبَين السياسيَين الدينيَين، من أصحاب اللحى الغانمة، ولم تسلم طبعاً الجمعيات التي أدارها منافسوهم من المذهب الآخر من الفساد، وكنت ومئات الموردين غيري ضحايا عمليات نصب واحتيال امام شهود الشؤون، وجيش مفتشيها، لكنهم لا يُلامون فأيديهم مغلولة! ومع هذا لم نسمع بسجن أو محاسبة رئيس أي جمعية تعاونية خاسرة! وفي المقلب الآخر، أعاد أهالي منطقة مشرف السكنية انتخاب مجلس ادارة جمعيتهم برئاسة عبدالـرحمن القديري وعضوية ماجد كمال نائباً، ومعاذ اليحيا أمينا للسر، ووائل المسعود اميناً للصندوق، وعضوية علي الفهد، عيسى القلاف، محمد منصور، انور غضنفري وخالد الفضالة، لما حققوه من نتائج مالية وخدمات اجتماعية للمنطقة سكاناً ومساهمين. فهذه الجمعية التي استطاعت على مدى سنوات تحقيق نجاحات متتالية لا تختلف عن اي جمعية، داخل أو خارج السور، وكان يجب ألا تختلف بقية الجمعيات التعاونية عنها، لو كان لدى من تولوا أمرها، وغالبيتهم من شديدي التدين، ولو مظهرياً، جزء مما لدى أعضاء جمعية مشرف من حرص، ولن نقول أكثر من ذلك! كرَّمت وزارة الشؤون مجلس جمعية مشرف ليس لتحقيقهم النجاح المادي سنة بعد أخرى، فهذا أمر مفروغ منه في مؤسسة حصلت على كل شيء مجاناً من الدولة، ومجلس يعمل متطوعاً، وأرباحاً مضمونة، بل كرَّمت الشؤون مجلس إدارة الجمعية لاستقامتهم وحسن خلقهم، وهذه الجمعية مثال ولا يعني أنها الوحيدة في نظافة سمعة مسؤوليها. للعلم، حققت جمعية مشرف مؤخرا 6 ملايين دينار أرباحاً صافية، وحققت غيرها 6 ملايين دينار خسائر غير صافية ولا شريفة ولا عفيفة؟!.

أحمد الصراف 

الارشيف

Back to Top