طائفية السجن المركزي وقبليته

كشفت القبس في تحقيق مميز عن ملابسات قيام سجين بانتحال شخصيات شيوخ ورجال أعمال ومشاهير ليمارس النصب والاحتيال، وهو يقضي عقوبة سجن مطولة. كما يشتبه في قيامه بعمليات غسل أموال، والنصب على مشاهير واستغلال اسم الديوان، وهو لم يتجاوز العقد الثاني من العمر. قصته ذكرتني بالمحتال الأميركي الشهير آبغنيل abagnale التي قدمها للسينما المخرج ستيفن سبيلبرغ وجسّدها ليوناردو دي كابريو في فيلم catch me if you can. لست معنيا بتفاصيل عمليات احتياله، فربما سنعرف الحقيقة قريبا، ولكني معني أكثر بالجانب الأخطر من قصة هذا المحتال الكويتي. فقد نجح، وهو في السجن في انتحال شخصية «شيخ» بارز من الأسرة الحاكمة. وصوّر نفسه رجل اعمال وانتحل صفة شيوخ آخرين. نجح في الحصول على جهاز هاتف نقال برقم ذهبي، وهو في السجن. استطاع إجراء آلاف المكالمات من هاتفة النقال الممنوع، وهو في السجن. عاش حياة مرفهة، وهو في السجن. كان يطلب طعاماً بمئات الدنانير يومياً من خارج السجن، له ولمن يريد غوايته، وهو سجين. يشاهد برامج التلفزيون، وهو مسجون. لديه اشتراكات مدفوعة في قنوات رياضية وغيرها، وهو في السجن. حجز طائرة خاصة لرجل أعمال من البحرين إلى الكويت، وهو في السجن. لديه أربعة اشخاص يساعدونه في عملياته ويحوّل الأموال إلى حساباتهم، وهو في السجن. يشتري ويهدي ساعات ثمينة، تتجاوز قيمة الواحدة 50 ألف دينار، وهو في السجن. يستخرج شيكات ومستندات مزوّرة، كل ذلك وهو في محبسه! سبق أن انتحل شخصيات أخرى بارزة، ومعظم مسؤولي السجن يعرفون عنه ذلك، ومع هذا زوّر مستندات باسم الديوان، وهو في السجن. يصدر ضمانات بنكية مزورة، وهو في السجن. يغسل الأموال ويرشي ويشتري النفوس الضعيفة، وهو في السجن. كوّن شبكة علاقات واسعة، وهو في السجن. وبعد كل ذلك، تم كشف أمره بطريق الصدفة، ولولا ذلك لكان سيصل إلى مرحلة تعيين مدير السجن. فكيف حدث كل ذلك في دولة، يتم صرف مئات الملايين فيها على الأمن، وعدد سكانها بالكاد يصل لخمسة ملايين، وليس فيها عاطل أو جائع؟ الجواب: الفساد. وفساد السجن المركزي مستمر منذ عشرات السنين، ودفع ثمن ذلك كل من تولى إدارته، بريئا كان او متورّطا، بسبب أن الأعراف هي التي تحكم السجن، وهي أقوى بكثير من القوانين والنظم. وبالتالي لن تفيد إحالة مدير السجن أو مساعديه أو البوّاب والفراش للتحقيق، فقد حدث ذلك عشرات المرات من دون ان يتعدل أو يتحسّن الوضع الأمني داخله، واستمر الفساد فيه وتهريب الممنوعات لنزلائه بكل سهولة، وبالتالي يتطلب الأمر فلسفة علاجية جديدة؛ تتمثل إما في تفريغ السجن تماما من الحراس الطائفيين والقبليين، لكي تمكن إدارته بطريقة سليمة. وإما تسليم الأمور فيه «مؤقتاً» لشركة أمن غربية متخصصة في إدارة السجون، لتقوم بوضع القواعد والنظم الأمنية التي يجب اتباعها، مع وضع لائحة عقوبات مغلظة لكل من يخالف التعليمات، وعدم الاكتفاء بالنقل أو الإعفاء من الوظيفة، كما حصل مرات عدة، فالكثيرون سيرحبّون بالنقل، أما من يُعفَ من عمله فقد تكون تلك فرصته للتمتع بما جنى!

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top