الكاتب في مواجهة «الجنرال إعلان»..!
وقفت صحيفة الحياة قبل أيام، بعد أكثر من 70 عاما من الصدور. وتوقفت قبلها صحف عالمية كثيرة، كما توقفت السفير وصحف لبنانية عريقة أخرى كانت غالبيتها تعتمد على المال الخليجي وإيرادات بعض الإعلانات في الاستمرار في الصدور، فالصحيفة، أي صحيفة، لكي تصدر صباح كل يوم، وتحافظ على استقلاليتها، بحاجة لأن تحقق الحد الأدنى من الدخل من الإعلانات والاشتراكات بحيث تغطي تكاليف صدورها، وتحقق شيئا ما لناشرها، ولكن كيف يمكن تحقيق الاستقلالية في ظل سطوة الإعلان وصاحبه؟! وبالتالي، فإن اي انتقاد لأصحاب دور النشر بأنهم يسعون لتحقيق الربح على حساب أمور مهمة وحيوية أخرى انتقاد ظالم نسبيا، ويجب ألا يشمل كل الناشرين أو أصحاب الصحف. فليس هناك، حسب معرفتي، صحف مستقلة تماما، ولا تخضع لأهواء أي جهة، أو لا تتنازل أمام أي نوع من الضغوط الحكومية أو غيرها، فهذا بنظري محض خيال، فيجب على الصحيفة أن تربح لتبقي على الحد الأدنى من استقلاليتها، وليس كلها. يقول صديق انه التقى أحد أصحاب الصحف، وسأله عن سبب «زعل» بعض الكُتاب وتحولهم من صحيفة لأخرى، أو اضرابهم وتوقفهم عن الكتابة نهائيا، وما ينجم عن ذلك من افتقاد المتابعين كاتبهم أو كاتبتهم المفضلة! وكيف أن مالك الصحيفة رد عليه قائلا إن من زعل أو توقف عن الكتابة حر في أي يفعل ذلك، فهذا غالبا ما يكون أمرا مقدورا عليه، ولكن زعل المعلن الكبير بالنسبة للصحيفة أهم من زعل كتاب الصحيفة أو العاملين فيها. فما يجعل الصحيفة تستمر في الصدور هو مواردها المالية وليس مبادئها ومُثل ملاكها العليا، وكل من لا يرى ذلك عليه التصدي لمهمة النشر وسيعرف حينها لمن يجب إعطاء الأهمية، الكتّاب أم المحررين أو مصادر الجريدة أم المعلن أم الأجهزة الرقابية، وغير ذلك؟ الجواب أن جميعهم لهم نفس الاحترام والتقدير، ولكن الصحيفة يجب أن تستمر بالصدور، فلا معنى للمبادئ والمثل إن لم يكن هناك من له ولو فضل أو قدرة في إبقائها حية. وكما قال العم الشهير ألبرت آينشتاين: كل أمر وشيء في الحياة نسبي! أما ما يقال من أن الكاتب يعتبر عملة ثمينة وتاريخا وافتخارا للصحيفة، ولا يجب التفريط به أبدا، فكلام لا معنى له، فليس هناك من لا يمكن التفريط به ابدا، وهذا لم يحدث في تاريخ أي صحيفة، لا شرقا ولا غربا، مع وضع الاتجاهين الآخرين في الاعتبار. نعم هناك حدود، وهناك مقامات، ولكن هذا لا يعني أن الملايين التي استثمرت في إصدار صحيفة، وحياة ومستقبل مئات العاملين فيها يمكن التفريط بها من أجل كاتب، مهما علا شأنه، ولو جرى التفريط به فغالبا ما ستتوقف الصحيفة عن الصدور، فما الذي تحقق من ذلك التوقف؟ المنطق والعقل يقولان إن من الأسهل التفريط بالكاتب بدلا من وقف الصحيفة عن الصدور، مهما كان عدد المتابعين والمريدين والمتأثرين بآراء ومقالات هذا الكاتب أو غيره.
أحمد الصراف
* * *
افتقد قرّاء القبس مقال الزميل العزيز أحمد الصراف، وذلك بسبب ظروف فنيّة طارئة جرى على إثرها تأجيله إلى اليوم.. نستغل هذه المناسبة للتأكيد على أن كاتبنا العزيز بوطارق إضافة مهمة لـ القبس وأحد كتّابها البارزين، ولا نرى الصفحة الأخيرة من دون أن يكون «كلام الناس» ومحبّتهم له على صدر صفحتها.