سلمان والجني والجريدة اللبنانية

ردني استدراك من القارئ والصديق سلمان ابو سته، المهندس والخبير في الشؤون الفلسطينية: هذه بضع نقاط وددت مشاركة قراء عمودكم بها تعليقاً على مقالة يوم 19 ــ 11 ــ 2019 «الجني السعودي والجريدة اللبنانية». فقد وردت في المقال فقرة عن مانشيت ظهر على صدر مجلة «الاحرار المصورة» الصادرة عام 1927، تتعلق بالهموم اللبنانية حينها، ومنها «نقاش حول الحدود اللبنانية ـــ الفلسطينية»! وما أود إضافته هنا هو التأكيد على صحة الفقرة، التي تعود الى ما قبل 90 عاما، والتي تعلقت بنشوب خلاف حاد بين سلطات الانتداب الفرنسي، التي كانت تسيطر على لبنان وسوريا، وسلطات الانتداب البريطاني، التي كانت تسيطر على فلسطين وشرق الأردن والعراق. فالجانب البريطاني كان يعمل بضغط قوى يهودية للاستيلاء على منابع المياه في فلسطين، والجانب الفرنسي يسعى الى توسيع مساحة دولة مسيحية في لبنان. احتل البريطانيون فلسطين في الحرب العالمية الأولى، بعد نجاحهم في طرد العثمانيين عام 1917. واحتل الفرنسيون لبنان بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى (1920) وخرجوا منه عام 1943. في ذلك الزمن، كانت متصرفية جبل لبنان مقاطعة عثمانية مستقلة عن بقية الولايات، وبعد الانتداب ضم الفرنسيون عدداً من المدن الساحلية وجبل عامل وسهل البقاع والسهول الشمالية، لتتوسع المتصرفية وتصبح ما أطلق عليه الجنرال غورو «لبنان الكبير»، وحدث ذلك بالرغم من انشغال الفرنسيين بمسألة تأسيس دولة مسيحية كبرى في لبنان. وكانوا يرون أن الجبل صغير بمساحته، وفقير بمياهه، وتطلب هذا توسعته. وبالرغم من أن الأراضي التي كانوا يطالبون بها تسكنها غالبية مسلمة شيعية، فإن هؤلاء «المتاولة»، كما كان يطلق عليهم، لم يكونوا حينها يشكلون خطرا سياسيا أو ماديا على الدولة المسيحية، التي كانت فرنسا تسعى الى تأسيسها، لكون أغلبيتهم من المزارعين الفقراء، وأكثر ميلاً للهجرة، ولن يكون لهم يوماً تأثير يذكر على إدارة الدولة. volume 0% بعد مداولات مطولة ومتعبة بين سلطتي الانتداب اتفق الطرفان في معاهدة 1926 (معاهدة الجار الطيب) على ضم كل القرى الشيعية للبنان، أي جبل عامل، وتركت بضع قرى شيعية داخل فلسطين. كما جرى الاتفاق على ضم نهر الحاصباني، منبع نهر الأردن، إلى فلسطين، ومن هنا نشأ ما يسمى بإصبع الجليل، الذي ينحسر جنوباً إلى رأس الناقورة، علما بأن الحاصباني، نسبة إلى بلدة حاصبيا في جنوب لبنان، ينبع من السفوح الشمالية الغربية لجبل الشيخ أو جبل حرمون، ويبلغ طوله داخل الأراضي اللبنانية 24 كلم، ثم يخرج منها إلى فلسطين (إسرائيل)، حيث يتغير اسمه لنهر الأردن. ومن مفارقات التاريخ أن أرض المتاولة، أرض المزارعين والفقراء، الذين لم يكونوا يشكلون خطراً على الدولة المسيحية الوليدة، الذين تخلت بريطانيا عن قراهم لفرنسا، أصبحوا مع الوقت الأقلية الأقوى في لبنان تاليا.

أحمد الصراف 



الارشيف

Back to Top