أنا.. والممرضة بروني

عملت الممرضة الأسترالية بروني وير bronnie ware على رعاية المرضى الذين على وشك الرحيل، نتيجة مرض أو كبر سن، وفشل الطب في تأخير أجلهم. كانت بروني، بحكم متطلبات وظيفتها، تشجع وتؤازر مرضاها، وتسألهم عن أكثر شيء ندموا عليه في حياتهم، وهم على فراش الموت، وكانت تدوِّن ما كانت تسمعه منهم. بعد سنوات، كتبت مقالاً بيّنت فيه أهم أسباب ندم هؤلاء، فتبيّن أن أكثر أمر ندموا عليه هو عدم امتلاكهم الشجاعة لأن يعيشوا الحياة التي كانوا يرغبون فيها. فالكثيرون منا تراودهم أحلام كثيرة، ولكن الخوف من «كلام الناس» دفعهم لنسيانها أو تأجيل القيام بها إلى أن أصبح من الصعب جدا تحقيقها. وعليه، عندما نلاحظ أن صحتنا بدأت بالتدهور، علينا عدم تأجيل القيام بالأشياء التي طالما رغبنا، أو حلمنا يوما بالقيام بها. وتبيّن من مقالها أن نسبة الرجال الذين اشتكوا من هذه الحالة كانت أعلى من النساء، فلا هم تمتعوا بمراقبة نمو أطفالهم، لانشغالهم بالعمل، ولا هم تمتعوا بمرافقة آبائهم وأمهاتهم في نهاية حياتهم. كما ندمت الأغلبية على كبت مشاعرها وعجزها عن التعبير عن حقيقة ما كان يجول بخاطرها، ظنا أن هذا يعني السلامة والنجاة من المشاكل، ولهذا السبب ينتهي المآل بالكثيرين الى أن يعيشوا حياة عادية تقليدية مملة تورثهم الندم، وتحرمهم من استغلال قدراتهم وإمكانياتهم لأقصى درجة. كما أن هذا الكبت النفسي والمعنوي تنتج عنه أمراض تزيد من معاناتهم، أما من يتمكّنون من التعبير عن مشاعرهم فإنهم غالبا يصلون الى السلام مع النفس، وسيشعرون براحة داخلية أكبر. كما ندم هؤلاء المرضى على خوفهم الشديد من أخذ المخاطرة، مثل السفر الى أماكن بعيدة أو غريبة، أو رفض استخدام الطائرة أو الباخرة في السفر، أو التعرّف على أصدقاء جدد، وهكذا.. كما تمنوا لو حافظوا على علاقاتهم مع أصدقائهم، فليس هناك أجمل من لحظات نقضيها مع صديق قديم صادق، يحبك لأجلك، وليس لأجل شيء آخر. كما ندموا على عدم الحرص، أو بذل ما يكفي من الجهد، لإبقاء روابط الصداقة، وعدم قطعها، لكي تنمو وتستمر. وندم هؤلاء على عدم إدراكهم أن السعادة اختيار شخصي؛ ففي خضم صراعهم اليومي مع متطلبات الحياة نسوا معنى السعادة. كما أن الخوف من التغيير جعلهم يزيّفون شعورهم الداخلي، وأقنعوا أنفسهم بأن ما هم عليه سبب كافٍ للشعور بالسعادة، ولهذا عاشوا بشعور زائف انتهى بالندم المتأخر. حين تخشى رأي الناس فيك، وحين تخشى الخروج على المألوف، وحين تعيش وفق ما هو تقليدي ومكرر، فأنت تحرم نفسك من السعادة الحقيقية.. حين ترقد على سرير الموت، آخر شيء ستقلق منه هو رأي الناس فيك، وظنّهم بك. على الجهة الأخرى، كم تساوي ابتسامة الرضا عن نفسك على وجهك وأنت راقد تفكر كيف عشت حياتك بالطول وبالعرض، وفعلت ما تريده، وكنت صادقا مع نفسك، وحققت أحلامك، وعشت محبّا وفيا لمن أحبك ولمن بادلك الوفاء. إن كنت تقرأ هذه المقالة، ووصلت الى هذا الحد، فلا تعتقد أن الوقت قد فات.. كن صادقا مع نفسك، ومع مشاعرك، ومع أحاسيسك وأحلامك، وعش حياتك بصدق، عش واعمل مع أبنائك ووالديك، وليس من أجلهم.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top