معاناة مواطن راشد

أنا مواطن كويتي، او هكذا ما كنت أحب وأرغب أن أرى نفسي. والدي وجدي معروفان، متى ما ذكرت اسميهما، وكانا يمتهنان بيع وصيانة الأسلحة الخفيفة في سوق السلاح، وسأكتفي في رسالتي أن أكون «أحمد» فقط. أكتب لك لاعتقادي أنك تشبهني، شخص مختلف. أنا ابن النقرة، وبعد التثمين انتقلنا للسكن في كيفان، ولا نزال. تركت وطني قبل بضع سنوات، بعد أن أحسست أنني نكرة في مجتمع لا يقدر الإنسان، ويعبد المظاهر، وغارق حتى أذنيه مع مشاهير السوشيال ميديا، وأخبار الفضائح والسرقات. انتقلت للعيش في تركيا، بعد أن أحسست أن ثقافة مجتمعي أصبحت مع الوقت لا تتفق وتفكيري. لدي أربعة أبناء، أصبحوا اليوم كبارا، وتخرجوا جميعا، ومع هذا لم يدخل بيتي مدرس خصوصي، ولم يكن لدي يوما سائق ليحضر المدرس من بيته، بل درّست كل ابنائي، حتى المواد العلمية الصعبة، إلى أن تخرجوا، فكم «أبا كويتيا» درس أبناءه؟ تركت الكويت بعد أن بعت ما أملك، وانتقلت للعيش في تركيا، ولا ادري لماذا أشعر هنا بأنني أقل تعرضا للضغوط النفسية، ولي وجود، وأتوقع يوما أن أدفن في هذه الأرض. قد أكون نكرة في عيون البعض، ولكن ليس في عين من يعرفني. تخرجت عام 1987 من جامعة في نيويورك، ومنذ يومها، وأنا أسبح عكس التيار. تعبت من الوظيفة ومن رؤسائي ومن زملائي في العمل، ومن أخبار السرقات والاختلاسات، والترقيات والظلم الوظيفي. هربت من كل ما كان يرهقني لأهتم بالطماطم العضوية والخس النظيف والدجاج الذي يأكل شيئا اعرفه، وخروف لا يتغذى على أكياس الاسمنت. أكتب لك لكي انفس عن نفسي. قمت صباح اليوم بالاتصال بسفارتنا في أنقرة لأصدر وكالة لمحام في الكويت. كلمت مأمور البدالة فتبين من صوته أنه من جماعتنا الوافدين، مشيناها. شرحت له طلبي فحول مكالمتي لوافد آخر من نفس الجماعة، وكان رده أن استقل الطائرة ومعي بطاقتي المدنية لإصدار الوكالة. شرحت له ظروفي، وقلة إمكاناتي، وكيف أن الأتراك يراجعون أي كاتب عدل في مدينتهم ليصدق على طلبهم قبل إرساله لأية جهة رسمية، وكما فعلت قبلها في أميركا، إلا أنه رفض. طلبت التحدث مع من هو أعلى منه، فرفض. لماذا يسلم مصير المواطنين في الخارج بيد هؤلاء؟ لماذا لا تعرض هذه الوظائف على أبناء البلد، وخاصة في الدول التي عليها «دوس» ويذهب لها المواطن بكثرة؟ لست عنصريا ولكن أليس لأبناء الوطن افضلية ما؟ ولو تقدمت للعمل في سفارتنا في أنقرة هل سيقبل طلبي، أنا الخريج من جامعة أميركية معروفة وابن أسرة كويتية واتقن العربية والإنكليزية والتركية؟ الجواب لا طبعا لأن الواسطة غير موجودة، وإن وجدت فلن استعين بها، ولست طالبا للوظيفة أصلا ولكن هناك مئات العاطلين الذين ينتظرون مثل هذه الفرص. 

يبدو أن خياري الوحيد أن استقل الطائرة في رحلة ساعات ثلاث لأوقع أمام من لا ينتمي لي لكي «تمشي أموري»!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top