براشوتات «كورونا» وسلة البيض

لا توجد مصيبة أو كارثة أو مأساة إلا ولها جانب، ولو ضئيل جدا من الإيجابية. قال الشافعي: جَزَى اللهُ الشَّدَائِدَ كُلَّ خَيْرٍ وَإنْ كانت تُغصّصُنِي بِرِيقِي وَمَا شُكْرِي لهَا حمْداً وَلَكِنْ عرفتُ بها عدوّي من صديقي

***

كشف تضارب التعليمات والتخبط الذي تعيشه دوائر القرار المعنية بإدارة الأزمة، والاخطاء الفاحشة التي ارتُكبت عن عمق المأساة التي نعيشها، والتي نتجت بشكل رئيسي عن التعيين في أعلى المناصب بقرارات سياسية، أو بالبراشوت، من دون اعتبار لمبادئ العدالة في الأقدمية والخبرة، وكل ذلك كيلا يزعل أو يتأثر النائب فيقوم بتهديد الوزير ومضايقته بالاستجواب، ليقوم هذا بتقديم استقالته، ليدخل الرئيس، والوطن، في دوامة البحث عن بديل، وليتكرر السيناريو نفسه بعدها بشهر أو أقل. علينا وقف مهزلة تعيين موظف في البلدية وكيلا في التربية، ومراقب في الأخيرة وكيلا للزراعة، بحيث يمنع التعيين بتاتا في وظائف المراقب أو المدير وما فوق ذلك، من مناصب عليا، على من يفشل في اجتياز اختبارات الكفاءة. سيهز كل مسؤول رأسه موافقا ومقتنعا، وهو يقرأ هذا الكلام، الذي لا يختلف عاقل على صحته، ولكن ما ان تنتهي الأزمة (إن انتهت على خير)، فستعود حليمة وكل أخواتها لعاداتهن القديمة. فهل نتعلم من الشدائد شيئا مفيدا؟

***

يقول المثل الغربي المنطقي: لا تضع كل بيضك في سلة واحدة. ولكن يبدو ان العالم أجمع، من دون استثناء تقريبا، وقع في خطأ قاتل عندما وضع الجميع تقريبا كل ما لديهم من بيض في سلة واحدة. فلا توجد اليوم صناعة رئيسية في كل الدول الصناعية الكبرى لا تعتمد بدرجة او بأخرى على منتج صيني، وهذا رهن مصيرها بأوضاع الصين. ومع توقف الإنتاج فيها او صعوبة نقله، توقفت مصانع سيارات هيونداي في كوريا الجنوبية مثلا عن الإنتاج تماما، بعد توقف إمدادها بقطع غيار محددة من الصين. كما توقف إمداد «أبل» الأميركية بالهواتف الذكية من الصين، وهكذا الأمر مع عشرات آلاف مصانع العالم الضخمة التي ربطت مصير أكبر منتجاتها ببرغي بسيط أو ساعة قياس أو كابل كهرباء من إنتاج الصين.

***

كما كشفت الأزمة الحالية، كما حدث في مرات عديدة، هشاشة وضعنا الغذائي، والكذبة التي نعيشها. فقد صرفت الدولة عشرات مليارات الدنانير، دون مبالغة، على توزيع آلاف القسائم الزراعية وحظائر الماشية، وبعد نصف قرن لم نرَ من غالبيتها شيئا غير كومة من المواد التي لا علاقة لها لا بأمن ولا بتبن غذائي.

***

نعود ونكرر: الأزمات قادمة لا محالة، وستشتد في قوتها وسيزيد تعقيدها، ولن ينفع معها دعاء او رجاء، ومن سيتصدى لها بشر في الإدارة الحكومية، فوضع الرجل المناسب في المكان المناسب مطلب إنساني ومنطقي وأخلاقي، ويجب ألا ننسى هذا المبدأ متى ما هدأت الأمور. كما يجب الالتفات بصدق وضمير ومسؤولية لقضية الأمن الغذائي ووقف هذا العبث، فأمن الوطن والمواطن أهم من إرضاء «المتنفذين» وشراء صمتهم و«أصواتهم» بجاخور أو مزرعة لا تنتج شيئا له أدنى علاقة بأمن الدولة الغذائي. نكتب ليس فقط من باب إبراء الذمة، بل لأن لدينا أملا بأن مسؤولا ما سيقرأ هذا الكلام ويقتنع به، وربما يطبق شيئا منه.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top