كلام في العِرق والمذهب والدين

يقول مهيار الديّلمِيُّ، المتوفى في1037م، الشاعر البغدادي الفارسي الأصل في قصيدة شهيرة: أعجِبَتْ بي بينَ نادي قومِها «أمُّ سعدٍ» فمضتْ تسألُ بي سرَّها ما علمَتْ مِن خُلُقي فأرادتْ علمَها من حسبي لا تخافي نسباً يخفضُني أنا مَنْ يرضيك عندِ النَّسبِ قَوميَ استولوا على الدَّهرِ فتًى ومَشوا فوقَ رؤوسِ الحُقُبِ عمَّمُوا بالشمسِ هاماتهم وبَنُوا أبياتَهم في الشُّهُب وأبي «كِسرَى» على إيوانِهِ أينَ في الناسِ أبٌ مثلُ أبي سوْرَةُ المُلْكِ القُدامى وعلى شرفِ الإسلامِ لِي والأدبِ قد قَبَسْتُ المجدَ من خيرِ أبٍ وقَبَسْتُ الدينَ مِنْ خيرِ نبي وضمَمْتُ الفخرَ من أطرافِهِ سُؤْدَدَ الفرسِ ودينَ العرَبِ volume 0% تبين هذه القصيدة العلاقة المحيرة والمربكة بين العرب والفرس، التي كتبت عنها قبل أيام. استطاع مهيار خلالها، وبذكاء، مدح نفسه وقومه مع عدم إيذاء مشاعر العرب الذين انتسب اليهم. وتعتبر هذه القصيدة من روائع الشعر العربي، وسبق أن لحنها وغناها الموسيقار محمد عبدالوهاب، ولكن تم التعتيم عليها في زمن الرئيس «ناصر» بسبب خلافه مع الشاه، ولا يزال التعتيم ساريا، وهو أمر يدعو للسخرية. أكتب هذا المقال بمناسبة الشريط، الذي انتشر لحديث منسوب لشيخة من الأسرة، الذي تهجمت فيه على المواطنين «العجم» في الكويت. سنفترض قلة الفهم من الشيخة، والتعالي غير المبرر على غيرها، وعدم إدراكها لما تعنيه الكلمة أصلا. فـ«العجم» التي ورد معناها في النصوص المقدسة، تطلق على كل شعوب الأرض، خلاف العرب. و«الأعجم» من في لسانه عجمة. ويقال هذا حيوان أعجم، أي لا ينطق أو يتكلم العربية. وبالرغم مما تتضمنه التسمية من إساءة، فإن هناك ما يماثلها في ثقافات الشعوب الأخرى ولغاتها ضد العرب، وبعضهم ضد بعض، والإيرانيون ليسوا أبرياء من ذلك. وبالتالي لا تخص التسمية الفرس فقط، بل تشمل غير العرب جميعا، ولكن في منطقة الخليج والعراق، الأكثر احتكاكا بالفرس، جرت العادة على إلصاق التسمية بهم فقط. كما ان على صاحبة الفضيلة أن تعلم أن أكثر من %35 من الكويتيين، وهذه نسبة تقديرية، ينحدرون في أصولهم من فارس، سواء كانوا شيعة أم سنة. وليس من الصعب حصر وسرد أسماء أسر الطائفتين. وبالتالي أية سخرية سخيفة من «العجم»، هي سخرية من مكون كبير من المجتمع له دوره المهم والحيوي، ولكن ربما بسبب الجهل أو غيره فإن الجزء الشيعي من المكون هو المقصود بالتسمية. ولو تمعنت صاحبة «الفضيلة» قليلا في ما نمر به من أوضاع مكربة، لوجدت أن من سخرت واستهانت بهم يقفون، بمكونيهما، في الصفوف الأمامية دفاعا عن وجودها ووجودنا جميعا. من جانب آخر، نشر الزميل عبداللطيف الدعيج، مقالا على وسائل التواصل بعنوان «الإيرانيون ألطف شعوب العالم»، نقلا عن انتوني بوردين، الصحافي الأميركي في قناة الـ«سي أن أن»، الذي زار الكثير من دول العالم، وأنتج العديد من الأفلام الوثائقية عن تجاربه مع مختلف الشعوب، ولا شك أن بوردين والدعيج قصدا الفرس، أو العجم بمفهوم فضيلتها... لا تعليق!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top