تلّوهم كلهم

لا نحلم بالقضاء التام على ظاهرة الاتجار بالبشر، فهذا الأمر فوق طاقة اية جهة كانت، مع الاحترام لجميع المعنيين، ولكننا نطالب بسعينا جميعا للتقليل من هذه الظاهرة البشعة، ونحولها من مقبولة وشائعة لنادرة وشاذة.

***

مررت في الأسابيع القليلة الماضية، وأنا أدقق في آلاف طلبات المعونة المالية التي تقدم بها المقيمون لجمعية الصداقة الكويتية الإنسانية، وخاصة الذين فقدوا المتواضع من وظائفهم، وخسروا مدخراتهم، ودفعوا قبلها كل ما لديهم كرشوة شراء فيزا دخول جنة الكويت، وهالني ما رأيته من استغلال ومتاجرة بشعة لم أكن أتصور عمقها ووحشيتها، دون أدنى وازع من ضمير أو خلق، أو حتى دين، بالرغم من أن غالبية المتورطين هم من الخائفين من يوم الدين! كان الحزن يزداد مع كل حالة، ومع انكشاف حجم «الجريمة» الإنسانية والأخلاقية التي ارتكبناها جميعا بحق هؤلاء المساكين! فما حاجتنا لستمئة بائع آيس كريم، أو آلاف عتالي الحقائب في المطارات، وما يماثلهم في الجمعيات، واضعافهم في إدارة البقالات المتنقلة ورعاة الغنم والجمال ومئات الوظائف الأخرى التي خلقت لكي تباع إقاماتها وليس لحاجتنا لها؟! كما اكتشفت ان ما يدون على البطاقة المدنية هو بالفعل «أي كلام». وهذا ليس خطأ هيئة المعلومات، بل هو جزء من عملية بيع وشراء أذون العمل، وكان من الممكن جدا أن تكون الكارثة أكبر لولا جهود هيئة القوى العاملة، التي تواجه منفردة مافيات الإقامات، وتعمل تحت ضغوط كبيرة من نواب وشيوخ ووزراء، والقانون لا يعطيهم الحماية ولا الاستقلالية التي ينشدونها. لقد أصبحت تجارة الاقامات «شائعة بابتذال» بحيث تجرأت حتى أكثر طبقات المجتمع تواضعا على الاستفادة منها، وبدعم من «مقيمين متمرسين في «الصنعة». وما كان هؤلاء ليجرؤوا على ارتكاب هذه الجريمة الإنسانية لولا ثقتهم بتراخي السلطات المعنية وهزال القانون.

***

إن الحد من تجارة البشر لا يمكن أن يتحقق بسجن بعض صغار المتاجرين بالعمالة بل بتلّ، أو جر الرؤوس «الكبيرة». كما يتطلب الأمر القيام بالتالي: 1. إصدار التشريعات الرادعة والقاسية على كل من يدان بجريمة الاتجار بالبشر، مع اعتبار «الوافد» شريكا في الجريمة. 2. تطبيق القوانين الرادعة على الجميع، من دون أية استثناءات. 3. إصدار تعليمات صارمة لسفاراتنا في الخارج بضرورة استخدام كل الوسائل والطرق لتوعية وتحذير كل من يتقدم لها للحصول على «فيزا». وان توضح لهم حقيقة أوضاع العمل في الكويت، وإنها ليست بتلك الصورة الوردية التي رسموها لهم. وإن دفعهم لأية مبالغ، ولأي طرف كان، مقابل الحصول على «سمة الدخول»، جريمة عقوبتها السجن والغرامة المالية، وان يتم توقيعهم على تعهد بالعلم بذلك، ليكون حجة عليهم مستقبلا.

***

 وأخيرا نغرد مع محبي هذا الوطن: 1. يا «بو خالد»، إن أردت لوطن الجميع أن يستمر ويزدهر، وتشمل العدالة كل شعب «بن صباح»، فعليك أن تبدأ بمحاسبة النواب والوزراء، والبعض من «عيال صباح»! وبغير ذلك، «لا طبنا ولا غدا الشر»!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top