خيال السبعين في المئة

ذكر سمو رئيس مجلس الوزراء أن الحكومة ستقوم خلال السنوات القادمة بتعديل التركيبة السكانية لتصبح %70 كويتيين والبقية وافدين، بدلا من الوضع الحالي %70 وافدين و%30 كويتيين! هذا ضرب من الخيال، ولن يتحقق إلا إذا أصبح الاقتصاد الكويتي مقاربا للاقتصاد اللبناني! فاستمرار التنمية والتوسع يتطلبان أيدي عاملة، وهذه غير متوافرة بين الكويتيين أساسا، حتى لو عمل الكويتيون جميعا، رجالا ونساء وأطفالا. فالتخلص حتى من مليون وافد عملية تبدو مستحيلة. فمن سيعمل في البيوت، ومن سيشارك في الصناعات النفطية، وتنويع مصادر الدخل، والتوسع في الاستثمارات الخارجية، وفي أعمال البناء والطاقة الكهربائية، وتطوير الجزر، دع عنك الطبابة والتمريض والتدريس والتعليم، وحتى رفع الأذان وإمامة المصلين، وغيرها من الوظائف والحرف التي تتطلب أيدي عاملة متنوعة، وبالتالي المشكلة ليست في التركيبة بقدر ما هي في عدم تطبيق القانون، والتهاون مع تجار السوق السوداء للإقامات. ليس صعبا معرفة حاجة الكويت «الحقيقية» من الأيدي العاملة، مع هامش خطأ لا يزيد على %10. فالجهات الرئيسية التي تستعين بهم معروفة، ويمكن لوزارة التخطيط تلمس وتحديد حاجة كل جهة، واعتمادها بالتنسيق مع هيئة القوى العاملة، مع ضرورة إجراء تعديلات عليها حسب المتطلبات. كما يجب أن يصاحب ذلك تغيير جدي في السياسة التعليمية وفق احتياجات سوق العمل، بعيدا عن رغبات قوى «التخلف»، الذين تسببوا في خلق الانطباع بتدني مستوى من يعمل بتخصصات ووظائف معينة، فمنذ الستينيات والدولة مثلا تخرج «ممرضات»، فلا هن عملن في المستشفيات، ولا الحكومة أغلقت المعهد! كما ان من الضروري إعادة النظر في كامل سياسة البعثات الخارجية، فغالبية التخصصات التي تكلف الدولة المليون دولار للطالب، غير ضرورية، مثل العلوم السياسية والعلاقات العامة والتسويق والفنون، لوجود فائض منها. إن قرار تخفيض أعداد الوافدين بأيدينا، حكومة وشعبا، وليس بيد غيرنا. فعندما تصدر الحكومة لمواطن ترخيص فتح بقالة (لا هي بالضرورية ولا بالحيوية) فإن الطرفين يرتكبان جريمة بحق الوطن. فكيف يمكن مثلا فهم وجود 1000 إقامة لبائعي آيسكريم أو 50 ألف عامل لحمل الأغراض في المطارات والجمعيات والسوبر ماركت، و%90 منهم لا حاجة لنا بهم؟ دع عنك وجود أكثر من 1000 مؤذن يكلفون وأسرهم وسكنهم الدولة سنويا مبالغ ضخمة يمكن توفيرها عن طريق مؤذنين محليين، أو أجهزة إلكترونية. ومن جانب آخر، حذر صندوق النقد الدولي من أن التأثير المتزايد لتفشي فيروس كورونا سيجبر العمال الوافدين في منطقة الخليج على مغادرتها طوعا، وسينتج عن ذلك ضعف كبير في التحويلات المالية لدولهم الفقيرة المصدرة للعمالة. وأن هناك حاجة إلى اتخاذ إجراءات فورية من الدول المضيفة لحماية العاملين الأجانب ورفاهيتهم وضمان استمرارهم في أعمالهم، رغم حالة الانكماش الاقتصادي، وإلا فإن الصدمات الاقتصادية الناجمة عن «كورونا» ستتضخم أكثر. وطالب صندوق النقد المجتمع الدولي بدراسة فائدة إبقاء الوافدين قدر الإمكان حيث هم في البلدان المضيفة لهم في مختلف دول العالم، مذكرة بأن الحفاظ على العمال الوافدين يساعد البلدان المضيفة لهم على الحفاظ على الخدمات الأساسية فيها وإعادة تشغيلها في الاقتصاد. وإن الأثر السلبي لهبوط التحويلات المالية بسبب «كورونا» يتطلب استجابة شاملة ليس فقط من أجل الدول الفقيرة التي تتلقاها، بل من أجل الدول المضيفة أيضاً. نعود ونكرر بأن المسألة لا تنحصر في خلل التركيبة، بل في غياب القوانين وغياب التطبيق السليم للموجود منها.

أحمد الصراف 

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top