المحاسب الذي فقد ظله

كانت القوانين والأنظمة المحاسبية في الكويت، حتى سبعينيات القرن الماضي، تتبع، ولأسباب وجيهة، الأنظمة المحاسبية البريطانية العريقة. وكان تولي مهمة تدقيق حسابات المصارف وشركات التأمين وغيرها يتطلب خبرة وثقة لا يمكن التيقن منهما بغير حصول المدقق على شهادة من جهة عالمية معترف بها مثل the association of chartered accountants أو the institute of chartered accountants

***

كانت، ولا تزال شركات التدقيق العالمية تسيطر على سوق تدقيق حسابات الشركات الكبرى، تاركة الصغيرة لغيرها. وكان مكتب سابا، في سبعينيات القرن الماضي، المكتب العربي الوحيد ربما المنافس للمكاتب العالمية. لم يعجب هذا الوضع «وافداً عربياً» كان يعمل محاسباً في أحد هذه المكاتب العالمية، فقد حد من رغبته في التوسع عدم امتلاكه لشهادة «مدقق»، ولكنه افتتح وشريكه مكتب تدقيق، وقام بعد أن «أنذر» من جهة خارجية بضرورة إغلاق مكتبه، المخالف للأعراف المحاسبية، بالالتفاف على القرار، كالعادة، وأسس جمعية أو مركزاً لاعتماد مدققي الحسابات العرب، في عاصمة دولة عربية «ذات ذمة واسعة»، وحصل هو ومن عملوا معه تالياً على «شهاداتهم» من تلك الجهة (!!)، التي أصبحت مع الوقت مصدر دخل كبير له، وجنى منها سمعة لا يستحقها. واليوم توجد جهات أو جمعيات عربية عدة، متنافسة، تمنح شهادة «مدقق قانوني»، لمن يرغب، وغالبيتها تحمل أسماء رنانة، ولكنها تفتقد المصداقية.

***

تتصف مهنة مدقق الحسابات القانوني بخطورتها وأهميتها العالية. ويمكن أن يتسبب المكتب في إفلاس أكبر الشركات وفقد المساهمين لمليارات الدولارات من استثماراتهم فيها، نتيجة الإهمال أو الفساد، وحصل ذلك في حالات كثيرة، في أميركا وغيرها، ومنها «الكويت» بالطبع. كما تسببت «شهادات الزور»، التي أصدرتها مكاتب تدقيق، في تمكين محتالين من الضحك على مساهمي الشركات التي «كانوا» يديرونها. ومن المهم أن ننوه هنا بدور وزير التجارة السابق، خالد الروضان، الذي كان الوزير الأكثر إنتاجاً في تاريخ الوزارة، في صدور قانون مدققي الحسابات في عهده، الذي سد الكثير من الثغرات، بالرغم من بعض مثالبه. تاريخياً، كان العراقيون من أوائل الحاصلين على شهادات «المدقق القانوني»، قبل أن ينهار كل شيء في العراق على أيدي الطغاة، وتالياً رجال الدين. كان الأمر حينها يتطلب من المدقق المراجع العمل 3 سنوات في مكتب محاسب قانوني، والتحضير لنيل الشهادة، قبل اعتماده، وكل هذا ذهب مع الريح، وأصبح من لم يكن يوماً حتى محاسباً قانونياً، يحمل لقب دكتور ومفكر ومحلل سياسي ومتنبئ حتى بوقوع الحروب العالمية في شهر محدد.

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw



الارشيف

Back to Top