ماذا لو انتصرنا؟

بدأ التلاقح الحقيقي في العصر الحديث بين الأمتين، العربية، ممثلة بالفلسطينيين، واليهود، ممثلين بمن هاجر منهم لفلسطين من دول حضارية متقدمة، بدأ مع بداية القرن العشرين. وبعد مرور أكثر من مئة عام نجد أننا لم نتعلم من هؤلاء شيئاً.. أبداً!
فلا ديموقراطيتهم استطاعت غزو عقولنا.

ولا تعلقهم بإنسانهم، حتى لو كان عظاماً رميماً منذ عشرة أو عشرين عاماً، عنى لنا شيئاً.

ولا إصرارهم على الوقوف في الطابور أثار تساؤلنا.

ولا اهتمامهم بالعلم، والصرف بسخاء على الجامعات والكليات العلمية ومختبرات الأبحاث في الأمراض والأسلحة حرّكت فينا عرقاً!
***
فمنذ 80 عاماً، وإسرائيل هي الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط. والأقوى، والأكثر تطوراً، عسكرياً ونووياً، وعلمياً وثقافيًاً.

ولا يزال بإمكانها أن تطلب ما تشاء من مساعدات من كل دول العالم، أما مناصرو فلسطين من العرب فغالبيتهم يعتقدون أنهم قدموا لها أكثر مما هو مطلوب منهم، وأن أكثر ما قدموه لم يصل لأصحابه الحقيقيين.

وما نأخذه على اليهود من ظلم وتعسّف في المعاملة وتحيّز وفصل عنصري ومعاملة سيئة للأقليات فيها، غير وحشيتهم في التعامل مع الفلسطينيين، يبدو في الغالب أمراً يمكن تفهمه مقارنة بما لدينا من تاريخ تعذيب للفلسطينيين ولغيرهم من المواطنين في سجون «الأشقاء»، وهذا ليس تبريراً لتصرفات إسرائيل، بل دعوة لأن نكون على الأقل متمسكين بالحد الأدنى من الإنسانية، مثلها، على الأقل مع مواطنيها.

كما يبلغ عدد العرب الفلسطينيين الإسرائيليين في إسرائيل مليوني نسمة، من أصل 9.5 ملايين، ولكن لغتهم معترف بها، ولهم نواب في الكنيست، ونائب الرئيس فيه ينتمي للإخوان المسلمين!

كما أن الحقوق التي تتمتع بها الأقليات في إسرائيل لا تحلم، أكرر لا تحلم، بها أية أقلية في أية دولة عربية إسلامية، ومع هذا لم نتعلم منهم هذه الفضيلة.

وفي 1948، مع إعلان قيام إسرائيل، قدّر عدد اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بأقل من مليون، واليوم بلغ العدد أكثر من خمسة أضعاف، جميعهم مشردون في الأردن ولبنان وسوريا.

والسؤال: ماذا لو عادت فلسطين بكاملها للفلسطينيين العرب، أو أصبحت لهم دولتهم؟

هل سيتحدون، أم سيبقون كعادتهم متفرقين؟

هل ستكون فلسطين دولة ديموقراطية، تعددية علمانية، أم لأصحاب مذهب ودين واحد؟

هل ستصبح صناعية، أم ستصبح مثل بقية شقيقاتها، معتمدة على مقولة: إن الآخرين «مسخرون» لخدمتنا؟

هل سيسود فيها النظام، وتطبق فيها قوانين العدالة الإنسانية، وتكون الأولى في الاعتراف كاملاً، من دون تحفظ، بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان؟

هل ستختار يوماً رئيساً مسيحياً؟

منطقنا الدائم، وكراهيتنا للدخول في دقائق الأمور، سيقول: يا أخي رجعلنا فلسطين، وبعدين «بنحكي» بهل الأمور!

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top