المخيف والمهم والمضحك

جرت في عام 1993 انتخابات مجلس إدارة جديد لاحد البنوك، وكنت ضمن من فاز وقتها. وكان أول اقتراح تقدمت به هو عدم منح أي تسهيلات مالية لأعضاء مجلس الإدارة، أو لأقاربهم من الدرجة الأولى، إن لم تكن مغطاة بالكامل بضمانات رهن قوية، وعلى الأعضاء غير الراغبين في ذلك إغلاق حساباتهم والانتقال للتعامل مع مصارف أخرى! وأعلمت المجلس بأنني سأكون أول من يطلب إلغاء التسهيلات المصرفية غير المضمونة الممنوحة لي ولشركتي، والسابقة لانتخابي عضوا في المجلس. وللشهادة، كان التجاوب جيدا من الجميع وتمت الموافقة على الاقتراح والعمل به في حينه. أذكر ذلك ليس من باب التباهي ولكن لكي أدلل على حقيقة أن ليس من السهل اتباع الطريق الصحيح، ومقاومة الرغبة العارمة في الإثراء السريع وغير المشروع، فقد كان بإمكان قلة منا، المسيطرة على مقدرات البنك، الحصول على تسهيلات سهلة بملايين الدنانير، كما سبق وحصل في مراحل سابقة، وربما لاحقة، ومع مصارف كثيرة أخرى.
ما أود التطرق اليه هنا يتعلق بالفضيحة الفريدة، والمثيرة للاستغراب، والأولى من نوعها التي كشفها الشيخ أحمد العبدالله، وزير الإعلام ووزير النفط، في إجابته عن سؤال السيد أحمد السعدون، عضو مجلس الأمة، والتي وردت فيها، بصراحة مخيفة، تفاصيل العقود التي حصل عليها بعض أعضاء المجلس الأعلى للبترول، وهي الجهة الأكثر التصاقا بأمن الكويت ورفاهيتها ووجودها، ولا أدري كيف يحدث ذلك في الوقت الذي يفترض فيه أن هؤلاء الأعضاء يقومون بين الفترة والأخرى بإبراء ذممهم المالية ونفي وجود أي علاقة مالية لهم مع أي جهة نفطية؟
من السهل إطلاق مختلف الأوصاف والتهم على الأعضاء الذين أوردت بعض وسائل الإعلام أسماءهم الصريحة من واقع إجابة الوزير الرسمية والموثقة، وغالبيتهم سبق أن تولوا مناصب حكومية حساسة كالوزارة وإدارة سوق الكويت للأوراق المالية ورئاسة شركات مساهمة عملاقة ومناصب أمنية مهمة وبينهم مسيّسون دينيا وملتحون لا يتركون صلاة من دون إقامتها في مواعيدها، فهؤلاء، والحق يقال، آخر من يلامون، ضمن قائمة المسؤولية، وذلك لوجود مصلحة مالية دسمة لهم في هذه المخالفات الصريحة. ولكن اللوم يقع على الأعضاء غير المتورطين! فأين كانوا طوال سنوات؟ ولماذا سكتوا؟ هل طمعا في حصة أم لعجزهم عن الاستفادة كغيرهم؟ والمصيبة أكبر إن لم يكونوا يعلمون!
كما أن المسؤولية تشمل الحكومات السابقة، ووزراء النفط المتعاقبين فيها، بمن فيهم الوزير الحالي، الذي يبدو أنه لا يزال راضيا عن أداء هؤلاء الأعضاء ووجودهم في المجلس الأعلى، لا بل حاول تبرير عقودهم بالقول إن الحكومة مضطرة للاستعانة «بخبرات» القطاع الخاص في المجلس الأعلى للبترول! ولكن أليس في البلاد غير ها الأولاد؟
المخيف في الموضوع أن الشيخ أحمد العبدالله بط، أو ثقب القربة التي يتولى مسؤوليتها، فكم قربة هناك عند وزير المالية مثلا، أو حتى الأوقاف التي نتفت بطانتها الكثير من أرصدتها وطالبت بالمزيد؟
والمهم أن عقود هؤلاء السادة الأعضاء ستبقى سارية وقد تجدد، فالعرف السلطوي الكويتي يعارض دائما قطع الأرزاق.
والمضحك أن الوزير علل تأخره في إرسال الرد على سؤال النائب السعدون بحجة كثرة الجهات المرتبطة بأعمال المجلس! وكان بإمكان الوزير، اختصارا للوقت، توجيه سؤال لأعضاء المجلس طالبا منهم تزويده بتفاصيل عقودهم مع أي من الشركات والمؤسسات النفطية، وكان سيحصل على الجواب منهم خلال يوم واحد، بدلا من الانتظار لــ360 يوما!
* * *
• ملاحظة: أرسل السيد خالد بودي، عضو المجلس الأعلى للبترول، تصريحا للصحافة نفى فيه حصوله على أي منفعة من عضويته في المجلس! وإذا كان هذا صحيحا، فلمَ سكت عن تنفع بقية زملائه من عضويتهم، وإن لم يكن يعلم بتصرفاتهم، فلماذا لا يزال عضوا في المجلس؟

الارشيف

Back to Top