يوسف المشاري وصالح الكويتي

مرت في العيدين، الوطني والاستقلال، الأخيرين ذكرى مرور 18 عاما على غياب عدد ممن استشهدوا دفاعا عن أرض الكويت وأهلها أثناء فترة الاحتلال الصدامي. وكان صعبا على النفس ملاحظة كيف نسينا تخليد ذكرى شهداء الوطن من أمثال يوسف المشاري وأحمد قبازرد واسرار القبندي ومبارك فالح النوت ويونس مال الله وغيرهم العشرات، فلا شارع ولا مدرسة ولا لوحة ولا حتى زقاق، في الوقت الذي اطلقنا فيه اسماء العشرات من الإرهابيين والمغمورين والإمعات على اهم الشوارع واكبرها، لا لشيء الا لوجود من يحميهم ويدافع عنهم، او لأن منزل «المرحوم» تصادف وجوده في ذلك الشارع! ولو كان عذر من اختار عدم تخليد ذكرى هؤلاء الشهداء الأبطال، الذين ضحوا بأرواحهم من أجل وطنهم الكويت، هو عدم رغبتهم في احراج اي طرف آخر، او التعرض للقيل والقال لأهالي من توفوا بسبب كبر السن اثناء فترة الاحتلال، فإن هذا كلام مردود عليه، حيث كان ولا يزال من السهل تحديد الفرق بين الشهداء والقتلى والأموات، وذاكرة الكثيرين لا تزال حية وحبلى بأحداث تلك الأشهر السبعة المرعبة!
نجد من جانب آخر، ومع الفارق، ان الذكرى المئوية لميلاد الفنان صالح الكويتي لم تمر من دون احتفال ـ بالرغم من ان وطنه الأول، الكويت، نسيه تماما، وتجاهل وطنه الثاني، العراق، الأمر ذاته. وحدها اسرائيل، وطنه الثالث والأخير، تذكرت المناسبة واحتفلت بها بطريقة لائقة. كما اقيم حفل ساهر كبير في دار «البرت هول» العظيمة في لندن بمناسبة ذكراه المئوية، وعرضت بعض روائع فنه. و أطلقت بلدية تل ابيب اسمه، واسم اخيه، داود، على احد شوارع تل ابيب. وقد كتب تيم فرانك مراسل الـ «بي بي سي» في القدس مقالا بعنوان «موسيقيو العدو»، ذكر فيه ان لافتة جديدة ارتفعت في زاوية شارع في تل ابيب تحمل اسم the kuwaiti brothers، او الاخوين كويتي، (على وزن الأخوين رحباني). وقال المراسل ان كثيرا من سكان ذلك الحي لم يكونوا سعداء لإطلاق اسم «عربي» الرنين على شارعهم، ولكن بلدية المدينة رأت ان الوقت قد حان لتكريم اثنين من فنانيها المنسيين هاجرا اليها قبل 60 عاما تقريبا.
ولمن لا يعرف فإن الفنانين صالح وداود الكويتي كانا من يهود العراق. وسبق ان عاش والدهما في الكويت، حيث ولدا، واضطر صالح وأخوه داود واسرتاهما الى الهجرة الى إسرائيل عام 1951 بعد ان طردت سلطات العديد من الدول العربية جميع اليهود منها (!!)،
ويقول شلومو، ابن صالح الكويتي، ان والده اسس الموسيقى الوطنية الحديثة في العراق بعد انتقاله اليه من الكويت. وان عائلته اكتسبت اسمها من الكويت واحتفظت به حتى اليوم. وكان حاكم الكويت وقتها يسعد بفنهم، وان والده اطلق اسم «صباح» على ابنه البكر، تيمنا بتلك المحبة والصداقة.
ويضيف شلومو ان خيبة الأمل التي حملها والده وعمه معهما الى إسرائيل استمرت مع رفض الإسرائيليين لموسيقاهم العراقية، لأنها كانت تمثل «موسيقى الأعداء»! وبدلا من ان يقوما بالعزف على المسارح الإسرائيلية اصبحا يعزفان في حفلات الزواج واعياد الميلاد والأعياد اليهودية وسط مجموعة من الرواد اللاهين في الأكل والشرب، من دون اكتراث كبير لعزفهما!
كما صدما بعد فترة بسبب تجاهل مساهمتهما في موسيقى العراق، بعد ان نسبت الحكومات العراقية المتعاقبة الفن العراقي للفولكلور القديم، من دون التطرق الى جهود صالح وداود الكويتي لمجرد انهما يهوديان.
توفي داود عام 1976، اما صالح، والد شلومو، فقد توفي عام 1986.
نقول ذلك، ونضيف ان الأوطان لا تساوي شيئا من دون الإنسان، والإنسان لا يساوي شيئا من غير كرامة واحترام!

الارشيف

Back to Top