حرب لبنان

تحل علينا بعد ايام ذكرى معركة 'حزب الله' والجيش الاسرائيلي بسبب حالة السذاجة، وربما الغباء، التي تعيشها شعوبنا العربية، وهنا يمكن ان نضيف لها، بدون تردد، العالم الاسلامي، فقد اختارت الغالبية الاعتقاد بان حزب الله قد انتصر في تلك الحرب على الاسرائيليين لمجرد تمكن الحزب من الوقوف في وجه جيش اسرائيل لفترة شهر كامل!! ولكن لم يكلف احد نفسه التفكير بتجرد او بتعقل عن السبب الحقيقي الذي مكن ميليشيات محلية مسلحة من "النجاح" في الوقوف امام الآلة العسكرية لاقوى جيوش المنطقة، كل هذا الوقت!!
لسنا هنا بالطبع في معرض الدفاع عن اسرائيل او تبرير عملياتها ومواقفها، ولكننا معنيون في المقام الاول بمسألة احترام الذات الانسانية التي فقدت اهميتها منذ بداية الصحوة المصاحبة للحوار.
* * *
ان ذلك 'النجاح العسكري الباهر' الذي حققه حزب الله على اسرائيل كلف لبنان الصغير والجريح ارواحا غالية وعزيزة،عند اهلها على الاقل. ولكن اللافت للنظر، وربما الطبيعي في الوقت نفسه، وبعد مرور سنة على تلك المعركة، فان لا جهة تعرف بالتحديد اسماء، او حتى اعداد، محاربي 'حزب الله' الذين سقطوا في تلك المعركة المفتعلة وغير المتكافئة على مدى شهر، والتي لم تكن لتستمر لولا ذلك الهوس او الوهم الديني بالقوة المطلقة التي لا تقهر الذي ساد عقول البعض من زعامات محلية وقوى خارجية ليس لديها ما تخسره!! وهنا بالذات يكمن الفرق الاساسي والمهم بيننا وبين الاسرائيليين. فهناك للانسان كرامة واهمية ووجود واسم ورقم مدني وعائلة تطالب بمعرفة مصيره وانتماء ديني وسياسي واضح. وبالتالي شاهدنا كيف اقيمت مراسم دفن رسمية لكل قتيل اسرائيلي وقع في تلك الحرب، سواء من العسكريين او المدنيين الذين ماتوا نتيجة القصف العشوائي لمدن وقرى اسرائيل!! اما عندنا فلا نزال نود ان نعرف، ولاغراض احصائية بحتة، اعداد الذين سقطوا في تلك المعركة.
* * *
بسبب كل هذا الاهتمام الذي توليه الحكومة الاسرائيلية لعسكرييها ومدنييها فقد شاهدنا كيف انها لم تتهور وتزج بجنودها في مواجهة شرسة وغير مبررة مع ميليشيات معبأة دينيا حتى النخاع ومسلحة بايمان باطني رهيب يهدف للالتقاء بحور عين بعد حين.. ولهذا كان التردد في المواجهة في الجانب الاسرائيلي واضحا، وكان الاقدام والبسالة والرغبة العارمة في الالتحام بالعدو الاسرائيليي اليهودي واضحا في الجانب الآخر، ولهذا كثر عدد ضحايانا وقل عدد ضحاياهم.. ونسينا في غمرة كل ذلك ان المعني في نهاية الامر هو الانسان بذاته وكرامته وكيانه، وليس الحجر ولا الشجر. وعندما تصبح للكرامة الانسانية وللنفس البشرية اهميتها لدينا بمثل ما لدى الاسرائيليين وقتها، ووقتها فقط، سيحسبون لنا الف حساب!
ملاحظة: بعض الارقام الاحصائية عن تلك المعركة: عدد قتلى اسرائيل 144 اما لبنان فقد خسر اكثر من 2000، عدد الجرحى هناك 360 اما لبنان فعددهم جاوز 3700، خسر لبنان 72 جسرا ولم تخسر اسرائيل شيئا. منازل دمرت في لبنان او تصدعت 42 الفا. اما في اسرائيل فقد بلغت 152، خسر لبنان موسمين سياحيين حتى الآن وزاد دينه العام بنسبة الضعف اما اسرائيل فالعكس.
وبالرغم من كل هذه الحقائق والارقام المؤلمة والمقلقة ووجود اكثر من عشرة آلاف جندي اجنبي على ارض لبنان، وبالرغم من اقتصاده المنهار والمحنة السياسية الخانقة التي يعيشها وحوادث الاغتيال البشعة التي يتعرض لها سياسيوه، كل ذلك نتيجة تلك المعركة العبثية، فإن هناك من لا يزال يعتقد او يؤمن بان حزب الله قد انتصر!!!!

الارشيف

Back to Top