سوء الحظ مسلسل متواصل

لم تصل حقائبنا في اليوم التالي الى سان تروبيه، كما كان متوقعا، وتم طردنا من الفندق بعد ان اقمنا فيه ليلة واحدة وفي غرفة ضيقة مع شخير صاحبناِ ولا ادري لماذا ذكرتني احداث تلك الليلة بإحدى ليالي الغزو سيئة الذكر.
استأجرنا سيارة، واخترنا ان تكون فخمة لتليق بمقام سان تروبيه من جهة، ولكي تذهب عنا رجس ما اصبنا به من كآبة قاتلة من جهة اخرىِ وبدأنا من فورنا رحلة البحث عن فندق مناسب خاصة بعد ان حذرنا صاحبنا من ان هناك احتمالا في ان يتخلف الصديق، صاحب اليخت، مرة اخرى عن الإبحار الى سان تروبيه، ولم نشأ ان نبقى في ذلك اليوم بلا يخت ولا فندق ولا عقل!
تلبدت السماء فجأة بالغيوم واشتد التحامها ببعضها البعض وشكلت كتلة سوداء غطت فضاء المدينة وحولت ذلك المنتجع الصيفي الحار الى منتجع بحري كئيب يذكرك بمدينة برايتون الانكليزية في فصل الشتاءِ وهنا بدأ الفصل السابع عشر من مسلسل الأخبار السيئة، حيث اخبرنا صاحبنا ومضيفنا الكريم الذي نسي ان يحجز لنا حتى غرفة في فندق متواضع ان صديقنا اللبناني ربما لن يتمكن من الابحار من نيس، حيث يرسو يخته، والمجيء الى سان تروبيه بسبب سوء الأحوال الجوية، وان علينا البحث بشكل 'حثيث' عن فندق يؤويناِ لم تعجبني بطبيعة الحال كلمة ' حثيث'!! وشعرت بأننا سندخل في مرحلة جديدة من التراجيديا المبكية، فما هو حجم ذلك القارب الذي يسمى 'يختا' ان لم يكن بمقدور صاحبه الإبحار به في طقس ماطر من نيس الى السان (ألف علامة تعجب واستفهام)ِ ولماذا اصابنا كل سوء الحظ هذا؟ ولماذا تبهدلنا بفلوسنا؟ ولماذا اصبحنا نصدق كل شيء؟
بعد ان يئسنا من الحصول حتى على غرفة واحدة في الفنادق الجيدة تواضعت طلباتنا تدريجيا وتوالت في الوقت نفسه اجابات عدم وجود غرف شاغرة، وبعد ان اصبنا باليأس والإحباط وبناء على نصيحة عامل تنظيف في احد الفنادق توجهنا الى مكتب خدمات السياحة، فوجدنا آخر غرفتين شاغرتين في كل منطقة سان تروبيه وضواحيها وبسعر 200 دولار لليلة الواحدة!!
وحين وصلنا الى ذلك الفندق اكتشفنا ان مستواه يقل قليلا عن نجمة واحدة ونصف النجمةِ وما ان قمنا بتوقيع الأوراق ودفع الأجرة مقدما حتى بادرنا موظف الاستقبال، الذي هو في الوقت نفسه صاحب الفندق والحارس والمحاسب، بالقول ان الفندق يفتقر الى الخدمة الكاملة ولا يوجد فيه مطعم ولا توجد غرفة خزائن لحفظ الأشياء الثمينة وانه يغلق ابوابه في العاشرة مساء (!!) وما ان انتهى من كلامه ذلك حتى سلمنا حلقتين حديديتين تزن كل واحدة منهما اكثر من ألف غرام ومعلق بكل منهما مفتاح كبير، وعرفنا ان علينا اما حفظ تلك الحلقات الكبيرة والثقيلة في مكتب الفندق كلما اردنا الخروج منه ثم العودة قبل العاشرة مساء لأخذها او الاحتفاظ بها في جيوبنا مع كل ما يشكله هذا الأمر من ازعاج مستمرِ وعجبت وقتها من شعب يحتج على صوت هليكوبتر ليلي ولا يعترض ويحتج على ما يتعرض له ضيوف مدينته من 'بهدلة' مفاتيحية!!
كما كان متوقعا، انهمرت الأمطار مدرارا واغرقت البشر والحجر معها، وتصادف وجودنا في ذلك الوقت في احد المطاعم، فاضطررنا لأن نحبس انفسنا فيه مختارين رافضين مغادرته خاصة ونحن نرى بأم واب واخت اعيننا ما كان سيصيبنا لو تجرأنا على الخروج من ذلك المكان الدافئ والجاف.
أحمد الصراف

الارشيف

Back to Top