هوكينغ وابن النفيس

في سابقة نادرة، ولكن ليست غريبة على الجالس على الكرسي الرسولي في الفاتيكان، وجّه البابا دعوة إلى عالم الفيزياء الشهر ستيفن هوكينغ، لزيارته في حاضرة الكاثوليكية، بالرغم من معرفة البابا بحقيقة آراء هوكينغ، المشكّكة في أسس الكنيسة ونظريات الوجود، من منطلقات فيزيائية بحتة. وسبق لهوكينغ أن صرح بآرائه لصحيفة تايمز البريطانية، قائلا إن الفيزياء الحديثة لا تترك مجالاً للإيمان بخلق الكون.. فمثلما أزاحت النظرية الداروينية الحاجة الى ذلك في مجال علم «البيولوجي»، فإن عددا من النظريات الجديدة شكّكت في عملية خلق الكون. وان ما يعرف باسم «الانفجار الكبير» لم يكن سوى عواقب حتمية لقوانين الفيزياء، ولأن هناك قانوناً مثل الجاذبية، فقد صار بمقدور الكون أن يخلق نفسه من العدم. والخلق العفوي هذا هو السبب في أن هناك شيئا بدلا من لا شيء، وفي وجود الكون ووجودنا نحن.
يذكر أن البروفيسور هوكينغ سبق ان ذكر في كتابة a brief history of time (تاريخ موجز للزمن) الذي أصدره عام 1988، أنه لا يعترض على المعتقدات الدينية، وأوحى بأن فكرة الإله الخالق لا تتعارض مع الفهم العلمي للكون، وأن بالإمكان اكتشاف نظرية مكمّلَة تيسر لنا الانتصار النهائي العظيم للعقل البشري؛ إذ سيكون بوسعنا أن نحيط علما بالطريقة التي وجد فيها الكون.
ولكن الكتاب الأخير «المشروع العظيم»، الذي كتبه هذا العالم، بالاشتراك مع الفيزيائي الأميركي لينارد ملوديناو، والذي نشر مؤخرا، يقدم نظرية جديدة شاملة تفضي الى أن الإطار العلمي الكبير لا يترك حيزا للتكهن بكيفية وجود الكون.
يرى البعض في استضافة بابا الفاتيكان، ورأس الكاثوليكية، كبير المشككين، نوعا من الاعتذار لما سبق أن تعرّض له كبار علماء الغرب من اضطهاد على يد الكنيسة في عصور الظلام، ومنهم العالم الكبير غاليلي 1564 ـــــ 1642، الفيزيائي الإيطالي، الذي اشتهر بتأييده نظرية كوبرنيكوس، وإثباته خطأ نظرية أرسطو حول الحركة. والذي صنع عام 1609 منظارا أثبت من خلاله خطأ كل معتقدات الكنيسة عن مركز الكون، وقال إن الأرض هي التي تدور حول الشمس مع كواكب أخرى، وهذا ما عارض نص الكتاب المقدس، وبسبب ذلك تم اضطهاده.
من كل ذلك، نجد أنه من الضروري وقف خلط الأديان بالعلوم، وأن تبقى للأديان احترامها ضمن دور العبادة، وتترك الدولة لشأنها، فالدول تتقدم بعلمائها، وليس بالقساوسة والرهبان. ولعالم الفيزياء الأميركي الشهير ستيفن واينبرغ، الفائز بجائزة نوبل، مقولة شهيرة نصها: بدين او بغير دين فإن البشر الطيبين سيستمرون في القيام بالأعمال الطيبة. والأشرار سيستمرون في القيام بالأفعال الشريرة. ولكي يقوم البشر الطيبون باقتراف أفعال شريرة، هنا نحتاج إلى العقيدة.
فهل ستدفع مبادرة البابا مؤسساتنا الدينية إلى القيام بما يماثلها، وتعيد الاعتبار لعلماء الأمة الحقيقيين الذين لقوا جميعاً صنوف العذاب والقتل عبر الأزمنة؟

الارشيف

Back to Top