كورونا والديموقراطية

تضايق البعض وعتب غيرهم، وبينهم أحبة، على ما كتبته بالأمس عن ضرورة مراجعة النفس، وكيف ان على الحكومة أخذ زمام المبادرة، وحل مجلس الأمة لسنة أو سنتين، والقيام بكل الإصلاحات المطلوبة بأسرع ما يمكن، قبل فوات الأوان. فقد كتب صديق رسالة قال فيها إن تعليق الدستور سينتج عنه عكس ما أرجوه من الحكومة، فستبدأ بدغدغة المشاعر، ولكنها لن تفعل أكثر من ذلك. وضرب مثلا بسنتي 1976 و١٩٨٦ عندما تم حل مجلس الأمة، ولم تقم الحكومة خلال فترة الحل بأي إصلاح يذكر. والجواب على تساؤل الصديق الكريم بسيط، بقدر ما هو معقد: 1 - وضعنا المحلي والإقليمي والدولي، وحتى المالي والسكاني، الآن لا يشبه في شيء ما كان عليه قبل أكثر من أربعين عاما. 2 - وضع الحكومة النفسي، وقدرتها على الصرف، والتحديات الداخلية والخارجية، تجعلها مجبرة على فعل شيء في ما يتعلق بالإصلاحات العاجلة والمعروفة لكل المراقبين. 3 - ولو خيرت أي مواطن بين حكومة متسلطة وفعالة، ونظام ديموقراطي مهترئ، تتجذر فيه القبلية والمحسوبية والفساد والطائفية كل يوم، فماذا سيكون خياره؟ 4 - ولو كنا بلا هذه الديموقراطية الماسخة، هل كان وزير الصحة ووزير الداخلية ربما، مجبرين، أو سيرضخان لضغوط فئة من نواب طائفة معينة، ويرسلان القادمين من منطقة موبوءة لبيوتهم من دون إخضاعهم للحجر الصحي، وتعريض صحة الأمة وكل مقوماتها لخطر وباء قاتل قد يشل الدولة برمتها، ونحن الذين لا قدرة لنا على الاعتماد على أنفسنا أسبوعا واحدا؟ 5 - من تدخل ومنع إخضاع مصابين بفيروس خطير ومعد للحجر الصحي، هو نفسه الذي فرض تعيين شقيقه، الفاشل وصاحب الشهادة المزيفة، ليتولى أعلى مناصب التربية والتعليم. 6 - ومن منع اخضاع العائدين من إيران للحجر هو نفسه الذي سبق أن عين شقيقه مسؤولا عن صحتنا الغذائية، والذي لا يعرف حتى الفرق بين حبة الشعير وحبة القمح. 7 - ومن منع إخضاع أقربائه وناخبيه للحجر الصحي لأسبوعين فقط هو الذي ضغط لتعيين العشرات من حاملي الشهادات الوهمية، من محبيه، في مختلف المناصب الحساسة والخطيرة وذات التأثير على مختلف مناحي الحياة. فهل كل هذه الأفعال، والوساطات والتعيينات، أقل خطورة وتدميرا على الأمة من فعل ذلك الذي سمح لمصابين بالمرض الخطير الذهاب لبيوتهم؟

***

لماذا تتمسك الشعوب بالديموقراطية، وتضحي بالكثير من أجل نيلها؟ الديموقراطية تعني حكم الشعب، وأن تكون الأمة مصدر السلطات، أي انها ضد احتكار السلطة والدكتاتورية. وهي شكل من أشكال الحكم الذي يتيح لغالبية المواطنين ممارسة تأثير ما على عملية صنع القرار..  ولكن كل هذه الأمور غير متوافرة حاليا في الكويت بشكل صحيح. كما أن التجاوزات والخروقات من «ممثلي» الشعب أصبحت شبه يومية، ومعرقلة حتى للروتيني من العمل الحكومي، هذا غير ما يشكله وجودهم من فساد مالي، وإثراء غير مبرر. وبالتالي لكي تكون الديموقراطية نظاماً ناجحاً، فإننا بحاجة لوجود عقد اجتماعي تُجمع عليه كل مكونات المجتمع، ومن دون هذا العقد فإن الديموقراطية النيابية تتحول إلى ديموقراطية مشلولة، كما هو الحال معنا، كونها تتم بطريقة لا يريدها المجتمع، وهذا ما طالبت به في مقالي. والسؤال الآخر: هل بإمكان «حراس الديموقراطية» مثلا، إجبار الحكومة على القيام بما لا تشتهيه؟ أو وقف القبض على شخص بريء، أو السحب، بطرق غير قانونية، من الاحتياطي العام؟ الجواب بالنفي على هذه الأسئلة والعشرات غيرها، فما تريده الحكومة يتحقق، شئنا أم أبينا، فلم الضحك على ذقون بعضنا البعض؟

أحمد الصراف

a.alsarraf@alqabas.com.kw

الارشيف

Back to Top